25‏/02‏/2012

خَطِيْئةٌ بَعْدَ الخَلاص ... د. ناصر السخني


* اُلقيَت في جامعتَي بغداد ودمشق, وفي منتدى الشباب العربي, ومنتدى المفرق الثقافي عام 1993م.

* الإهداء:  إلى ماستي التي فقدت صلابتها ....

خَطِيْئةٌ بَعْدَ الخَلاص*










حَزِيَنةٌ أنتِ أمْ أنَّ الحزين أنا؟!
هذا الذي قلتِ أنَّ القلبَ في يدهِ
هذا الشتاءُ الذي نهوى برُودَتَهُ
هذي أويقاتُ فرحٍ - يا مُدللتي -
 


 وهذهِ التلّةُ الخضرا ودوحتُنا
وتلكَ أشْجَارُنا اللائي بظلِّتِها
حَتّى الطيور أتتْ في البَردِ تُبْصِرُنا
فكمْ أتينا وكانَ الطّلّ مُبْتَسِماً
كلُّ الصَّغائرِ في شوقٍ لرؤيتِنا
لا تخذليها، وكُوْني خيرَ عاشِقةً
أينَ ابتسامةُ لُقْيانا وقُبْلتهُ
ماذا جَرى لِأرى خَلْفَ العيونِ لظىً
ماذا جَرى لِأرى الوَجْنَاتِ ذَابِلةً
هلْ يا تُرى بَدْءُ بُعدٍ أمْ مُمَزَاحةٍ
قَلْبُ حَبيبِكِ - يا سمراء - مُسْتَمِعٌ
 


 




 

قالتْ: فُضِحْتُ ونارُ اللُّومِ تَأكُلني
ذكرتَ كلَّ حُروفِ اسْمي وعائِلتي
جَعَلتَ لِلقُبلةِ الخَرْساءِ مِئْذَنَةً
صَوّرتَ كلَّ الذي نُخْفِي بِدَاخِلِنا
وكَمْ وَعَدتَ بأنْ تُخْفِي مَلامِحَنا
قَدْ صَارَ شِعْرُكَ رُمْحَ العَاذِلينَ وكَمْ


فَقُلْتُ مَرْحَى؛ فَقَدْ صَارَتْ حِكايتُنا
وهذهِ الثُّورةُ الرَّعْناءُ رَائعةٌ
فَمَا جَرى ليسَ ذَنْباً - يا مُعَاتِبتي -

تِسْعُ قَصَائد قلبي كانَ يَكْتُبُها
فالشِّعرُ - يا واحة الأشعارِ - يأمُرني
فلْتَغْفِرِي أنَّني خَلّدتُ قِصَّتَنا
لو استطاعوا لكانوا قبلنا زُمَراً

قالتْ مؤكدةً: لَسْنا بِمُجتَمَعٍ
لا تنسَ أنَّ قُيودَ الدِّينِ قاسِيةٌ
فكيفَ أهملُ قومِي أو كلامهمُ

فقلتُ لا تخضعي؛ فالحربُ دائِمة
لن تخلُصِي من كلامِ العذلِ، ذا زمنٌ
لو تكفرينَ، لأضحى الدِّينُ سيّدَهم
هذي التقاليدُ والعاداتُ مَزْبلةٌ
لقدْ وُلِدتُ وكانَ الدِّينَ يَلْبسني
لكنَّ حُرِّيتي مَرْهُونةٌ بيدِي
هذا أنا مثلما قد كنتُ معترِضاً
فإن رضيتِ فهيا كي نثورَ مَعاً

قالتْ وقد خذلتْ من كانَ يسمعُنا :
نحنُ النساءُ ضعيفاتٌ بِقُوتِّنا
قالتْ تحاولُ إقناعِي وتَعْزِيتي :

فقلتُ حينَ رأيتُ الحبَّ يَهْجُرُنا :
وقلتُ والجرح من رأسي إلى قدمي :

 
وفي لقاءٍ مضى كُنّا لَمىً وجَنَى ؟!([1])
وأنَّ عَيْشكِ في أحْضَانِهِ ارْتُهِانا!
ففي الشتاءِ يصيرُ غرامُنا وَطَنا!
هذا المكان الذي أضحى لنا وَكَنا([2])

كمْ بَرْهَنَتْ أنها منَّا لنا وَبِنا
في شهْرِ أيلول كُنَّا نَاصِراً وَسَنا([3])
عشيقةً وعشيقاً في الهوى سَكَنا
وكمْ رَحَلنا وخَيْطُ الليلِ أدركنا([4])
وشوقُها شوقُنا مِن بَعْدِ شهْرِ ضَنى ([5])
وعلّميها ابتهاجَ الحبِّ لا الحَزَنا([6])
أينَ العناقُ الذي أغرى السّها فَدَنا؟ ([7])
كأنّها منذُ شَهْرٍ لمْ تَذُقْ وَسَنا؟! ([8])
كأنّها عَانتِ الويلاتِ والوَهَنا([9])
أمْ أنَّ همّاً يُسِّلُّ الوَصْلَ أمْ شَجَنا ([10])
فَحَدِّثِيْهِ عَن السِّرِّ الذي كمُنا

فأنتَ تفضحُ شِعراً ما يصيرُ هُنا
ولو تبصَّرَتَ باسْمِ أخْتي ذَكَرتَ هَنا
([11])
بَنَيْتَ للشَّهْوَةِ الحمْرَاءِ ألْفَ بِنا([12])
فَصّلتَ جلساتِنا حَتّى بَدَتْ مُدُنا
وكَمْ كتبتَ, فكلنَ الشِعْرُ ثالثنا
مِنْ بيتِ شِعرٍ يُري مَنْ كانَ لمْ يَرَنا


أُمْنيةً ولِبَعْضِ العاشِقينَ غِنا([13])
بِدايةٌ لِغرامٍ لَيّنَ الخَشِنا
لكنُّهُ قَدَرٌ يَرْقَى بِمَنْ مُحِنا


ولو سَكتُ لأضحى مَبْدأي غَرِنا([14])
ولستُ أعصيهِ مالي عَنْ رِضَاه غِنى
ولتُهملي البُؤسَ والحسَّادَ والجُبَنا
([15])
ومنْ يكُنْ قاصِراً يَستَخْلِق الفِتَنا

يرضى بهذا, ولا أبناءهُ أُمَنا([16])
لو كُنتُ مُسْلِمةً ما كانَ قيَّدَنا
كيفَ الوريقاتُ تعصِي أمَّها الغُصُنا

وسوفَ يُعرفُ منْ قدْ ثارَ أو سَكنا
إذا أمنتِ الرَّدى لن تأمَني الظِّنَنا([17])
أو تؤمنينَ لأضحى ربّهم وَثَنا
إنْ خِفتِها ألبستْ أيامَكِ الدَرَنا([18])
ما اخترتُ دِيناً ولا أهلْاً ولا زَمَنا
ومبدأي مبدأي لو كانَ دربَ عَنَا
([19])
على قوانين قومٍ، أسقمتْ دَمَنا
على التقاليد، أو فلتتركي السَّكَنا

لا أستطيعُ, وما قدْ أستطيعُ مُنْى
لا نعرفُ الحربَ؛ لكنْ نعرفُ الكَفَنا
إذا أردتَ سنُخفي الحبَّ والمِحَنا

إنَّ الهوى - يا سنا – ما عادَ يجْمعُنا
لستِ الحزنةَ لكنَّ الحزين أنا!!





* نُشِرَتْ تلبيةً لرغبةِ الأستاذ شادي مراشدة.
 ([1])اللَّمَى: الشِفاهُ اللطيفة التي فيها سُمرة. الجَنَى: العسلُ أو الرُّطَبُ.
 ([2])الوَكَنُ: ( العُشّ ) عُشّ الطائر.        
 ([3])وَسَنا : أي وسَناء ( اسمها ).
 ([4])الطَّلُّ: النَّدى أو الرَّذاذُ.
  ([5])الضَّنَى : العناءُ أو المرضُ وهو هُنا البُعد بسببِ شهر العطلة بين الفصلين الدراسيين.
 ([6])الحَزَنُ: الحُزْنُ: الهَمُّ.
 ([7])السُّها : كوكبٌ صغيرٌ خَفِيُّ الضَّوء في بنات نعشٍ الكبرى والناس يمتحنون به أبصارهم.
 ([8])اللَّظَى: لهيبُ النار. والوَسَنُ : أَوَّل النوم.
 ([9])الوَهن: الضَّعْف.
 ([10])يُسِلُّ : يصيبهُ السّل أو المرض. والشَّجَنُ: الهمّ والحُزْن.
 ([11])هَنَا: أي هناء ( اسم اختها ).
 ([12])بِنَا: أي بناء.
 ([13])غِنَا: أي غِناء.
 ([14])الغَرِنُ: الضعيف.
 ([15])البُؤس : جمع بائس, والجُبَنا : أي الجُبناء.
 ([16])أُمنا : أي أمناء.
 ([17])الرَّدى: الهلاكُ. والظِنَنُ: جمع ظِنَّة وهي التهْمَة.
 ([18])الدَّرَنُ : الوَسَخُ وأَثر الدُّخان في البيت.
 ([19])عَنا : أي عناء.

 




 
 

 

 



 

 

 




 




 










 








 
 








 

هناك 13 تعليقًا:

  1. شادي مراشدة25‏/02‏/2012، 12:40:00 م

    الف شكر القصيده رائعه اهديها الى كل محبي الشاعر الدكتور ناصر السخني وبقلهم (تذوقوها وتمتعوا)

    ردحذف
    الردود
    1. لا شكر على واجب, هل قرأت في أول الحاشية:
      * نُشِرَتْ تلبيةً لرغبةِ الأستاذ شادي مراشدة.

      حذف
    2. شادي مراشدة27‏/02‏/2012، 8:42:00 م

      نعم قرأتها يا دكتور وإنني أعتبر هذا الكلام وسام على صدري مع إنني أطمع بالمزيد والمزيد المزيـد ...
      (تِسْعُ قَصَائد قلبي كانَ يَكْتُبُها ولو سَكتُ لأضحى مَبْدأي غَرِنا)
      أيـن التسع قصائد يا دكتور !!

      حذف
    3. أنا وأنتَ سنعتمد على تفرّغ تسنيم,
      وسأنشر ما يليق من القصائد التسع تترى إن شاء الله.
      وستكون كلها تلبيةً لرغبةِ الأستاذ شادي مراشدة.
      وللعلم " خَطِيْئةٌ بَعْدَ الخَلاص " هي القصيدة العاشرة والأخيرة بسناء.
      وأشكرك جداً على ال ( جروب ) الذي عملتهُ على ال (فيس بوك ).
      واتمنى أن أكون أهلاً للإعجاب والحب, وعلى قدر هذهِ المسؤلية والحمل الثقيل الذي حملتني إياه, فالمحافظة على حب الناس أصعب من الحب نفسه.

      حذف
  2. فعلا لا زوووود على الكلام الطيب

    ردحذف
  3. قصيدة رائعة لا بل أروع من الرائعة .. وهي بحد ذاتها تروي قصــة متكاملة بأسلوب موجز ,,,
    ولكن .. لي سؤال بسيط :
    وهذهِ الثُّورةُ الرَّعْناءُ رَائعةٌ ... بِدايةٌ لِغرامٍ لَيّنَ الخَشِنا
    ما القصد والمعنى لهذا البيت ؟؟

    ~*~رنيــم~*~

    ردحذف
    الردود
    1. الأخت العزيزة ~*~رنيــم~*~
      أشكر اعجابك بالقصيدة, وأما سؤالكِ عن:
      وهذهِ الثُّورةُ الرَّعْناءُ رَائعةٌ ... بِدايةٌ لِغرامٍ لَيّنَ الخَشِنا
      فالإجابة:
      فَمَا جَرى ليسَ ذَنْباً - يا مُعَاتِبتي -... لكنُّهُ قَدَرٌ يَرْقَى بِمَنْ مُحِنا
      مع فائق الإحترام.

      حذف
  4. و أوجّه شكر جزيــــل للأستــاذ شادي مراشدة ولإصــراره الدائم على القصيدة الرائعة ..^_^..

    ~*~رنيــم~*~

    ردحذف
  5. كنت اسمع ان نزار القباني يهوى وسمعت عن قيس وليلى وعن شعراء العشق لكني لم اسمع اجمل ولا اقوى من كلامك وارجو نشر القصيدة التي كتبتها بنزار القباني (ابو السعيد)

    ردحذف
    الردود
    1. أخي العزيز الغالي ( أبو السعيد ),
      تحية وبعد؛
      ربما لأنك تحبني رأيت ذلك بي, فأين أنا منهم يا سيدي.

      ونزار يهوى لا حدود لحبه...... ملك له كل الملاح جواري
      لا يعرف العشق الذي أنا غارق...... في بحره فنجا من الأخطارِ
      العشق - غير الحب - موهبة لها... رهبانها, والحب للأغرارِ
      مع فائق التقدير والاحترام.

      حذف
  6. الاخ الغالي دكتور ناصر انا لااريد ان اعرف نزار القباني ولا قيس ولا ليلى يكفيني انني اعرف الدكتور ناصر وانا اضم صوتي لصوت ابوالسعيد ... وهذه القصيدة اكثر من رائعة ولاكن ليس جديد عليك ...
    وتحاتي لكم جميعا اخواني الاعزاء
    سامي ابوسيف - الكويت

    ردحذف
    الردود
    1. أخي العزيز سامي أبو سيف - الكويت,
      بعد التحية؛
      إنهُ لمن دواعي سروري مرورك هذا, وتعليقك
      وإنهُ مما يفرح القلب أن أسمع رأيك,
      ولقد قام بعض الفضلاء ( شادي مراشدة ) ومن معهُ بإنشاء جروب على الفيس بوك ( محبي الشاعر الدكتور ناصر السخني ):
      http://www.facebook.com/#!/groups/250582281694424/
      أتمنى منك الإطلاع عليه وإبداء الرأي.

      حذف