10‏/04‏/2012

صَرْخَةٌ في وجهِ الحَضَارَة ... د. ناصر السخني




*  السيفُ الذي كانَ يُسْتخدمُ في الجاهلية صُقلَ ليُستخدمَ الآن.

*  بشاعةُ الدُّنيا ان تموتَ نباتاتٌ من قلّةِ الماء, وأُخرى من كثرةِ الماء.

*  لمْ تفرح الارضُ بالسلامِ إلا عندما كانتْ خاويةً من الإنسان. (1)



-1-

لقدْ قالَ عنها كَلاماً رقيقاً

لذيذاً شهيّا,

يثيرُ الملاكَ فكيفَ البشَرْ؟!

وقد وصفَ القَدَّ وصفاً دقيقاً

بليغاً قويّا,

يُهيِّجُ سَمْعاً فكيفَ البَّصَرْ؟!

وقال: هي الكونُ في حُسْنِها

تفوقُ اللواتي تَراهُنَّ في (كتلوجِ ) الصُّوَرْ

وقال: هي البكرُ ما مسَّها - سوى أمِّها -

وأحدث ما في يدي مِن دُرَرْ

ولمْ تعرف النومَ في ايَّ حضنٍ

ولا كيف حتى يكون السَّهرْ

-2-

وقالَ: اذا شئتَ بين يديكَ تراها

-ومن دون مسٍّ-

وأسمعُ قولكَ بعدَ النظَرْ

وانْ شئتها للفراشِ أتتكَ لتقضي الوَطَرْ

وفي الحالتين هُناكَ سِعرْ

وللوقتِ ايضاً هناك سِعرْ

وإن كان غير الذي قُلتُ عنها

ستأخذُ مالَكَ بعدَ النَّظرْ

-3-

وحاولتُ منهُ الفَلاتَ ولكنْ

 ألحَّ كثيراً, وزادَ وأغرى

ليثبتَ انْ ليسَ لي مِنْ مَفَرْ

وَوَافقتُ بعدَ الترددِ حِيناً

فقال: هَلُمَّ إذنْ يا عزيزي

لِجني الثمرْ

ولم أكُ – طبعاً – عزيزاً لديه

ولكنَّهُ الدِّرهمُ المُعتبَرْ

-4-

مشينا سوياً

وخالجني ألفُ فِكْرٍ ورأيٍ

وكان يقطّعُ بالضِّحْكِ والمزحِ

حَبْلَ الفِكَرْ

-5-

وَصَلْنَا لبيتٍ بدا مُفتَخَرْ

دخلنا إليه

 أشارَ إلى غُرْفةٍ عن يساري

وقال: تَفضّلْ , هناكَ انْتظرْ

وقبلَ دُخولِكَ غُرفةَ أُنْسِكَ

أخْرِجْ من الجيْبِ بعضَ النقودِ

وبعد انتهائِكَ

آخذُ باقي النقودِ الأُخَرْ

واعطيتهُ نَصْفَ ما قدْ أرادَ

وراحَ يَعُدُّ النقودَ أمامي

وتظهرُ في مُقلتيهِ البِشَرْ

-7-

وَسِرتُ إلى غرفةِ المُلتقى,

دَخلتُ إليها, رأيتُ فِراشاً

وغرفةَ نومٍ بلونٍ زَهرْ

جَلَستُ على طَرفٍ للسَّريرِ

تأملتُ أجزاءَ كلِّ المكانِ

إلى ان توقّفَ هذا التأمُّلُ

حينَ رأيتُ بِمِرْآةِ بابِ الخزانةِ وجهي؛

وكانتْ عليه ملامح همٍّ وبعض الحَذَرْ

تأمَّلتُ نفسي قليلاً

وكانَ شريطُ حياتي أمامي يَمُرْ

يُعيدُ مبادئَ سِرْتُ عليها طوالَ العُمرْ

رأيتُ المبادِئَ مثلَ زُجاجٍ كُسِرْ

وفكَّرتُ في مَوقفي المُحْتقَرْ

فلستُ الذي تَعَوَّدَ يوماً

على فعْلِ هذا الأمرْ

-8-

ولكنَّ دقّاتِ بابٍ بلُطْفٍ

أتتْ كي تُبعثرَ فيّ الجَمرْ

نظرتُ؛

وكانت أمامي فتاةٌ

بعمر الزهَرْ

وقدْ علّموها إذا دَخَلتْ

انْ تُكشّفَ عن بعضِ ما يُستترْ

وألْقتْ تحيّتها بحياءٍ !!

عجبتُ !!

وهل للحياءِ بمن مثلها مُستقَرْ

رددتُ السلامَ

وقلت: تعالي اجلسي هَهُنا

بقربي هُنا

فقالتْ: أأجْلسُ أمْ أتعرّى؟!

فقلتُ: أريدُ الحديثَ قليلاً.

فقالتْ: تُضّيعُ وقتكَ بالكلماتِ

وتعلمُ انّكَ تدفعُ عن كُلِّ وقتٍ يَمُرْ

فقلتُ: اجلسي ما عليك.

فقالتْ: كما شِئْتَ مُرْ

فإنك حُرْ

-9-

تأمّلتُها بعدما جَلَسَتْ

وهْي تُسْنِدُ خَدّاً على كَفِّها

مثل تُفاحةٍ اسندتْ خدَّها

فوق غُصْنِ شَجرْ

سألتُ عن الاسمِ,

قالت: سمرْ

سألتُ عن العُمرِ

قالتْ: سيصبحُ عمريَ بعد ثلاثِ سنينٍ

وبعضِ الشهورِ

قرابةَ عشرين عاماً

ففاضتْ دِمائي, وعقلي انْفجَرْ

وقلتُ: أحقاً تقولين؟!

قالت: واقسمُ  ان لم تصّدقْ

فما زالَ عمريَ ستاً وعشرْ

فقلتُ بصرخةٍ آهٍ : لماذا؟!

فقالتْ: وماذا لماذا؟!

فقلتُ: لماذا بعمركِ هذا

وَأدّتِ الطُهرْ؟!

لماذا؟!!

وكانَ زفيري يزلزلُ جِسميَ

حين ضغطتُ على كَتِفيها

 وقلتُ: أجيبي؛

لماذا دخلتِ لهذا الوكرْ؟!

لماذا عملتِ بهذا العُهرْ؟!

لماذا؟!

-10-

وقفتُ؛ وكانت لفافةُ تبغي تقول: اسْتمرْ

نظرتُ إليها

وقدْ جمعتْ وجهَها بيديها

وصوت التنهّدِ

يخرجُ مع زفراتِ الصَّدرْ

فمررتُ كفّي على شعرِها

لعلي أُخففُ من آهِها

ومن دمعةٍ حَشرجتْ صدرَها

وقلتُ: اعذريني

فقد أثّر الامرُ بي وحَفَرْ

وأثرّ بي قبل رؤيتكِ

وَخْزُ بعضِ الأُبَرْ

فلا تعْبئي بالذي قد سَألتكِ

وانْسي الأمرْ

فقالتْ بِصَوتٍ أخَنٍّ

يُخالطُ دَمْعاً ظَهرْ

أأنسى, وماذا سأنسى؟!

وكيف سأنسى؟!

وامّي تكادُ على فرشةٍ تُحتضَرْ

وأختي الوحيدةُ- أصغر مِنّي –

بباب المسجد تشحذُ حتى العَصرْ

-11-

فقلتُ: واين أبوكِ ؟!

فقالت: لقد ماتَ وارتاحَ

من ظُلمِ هذا العَصرْ

ومن مرضٍ في العظامِ انتشَرْ

وأوْصَى بنا عَمَّنا

فليسَ سِواهُ لنا

وقال: بعُنْقِكَ زوجي وبنتايَ

أسألُ عَنهنّ يومَ الحَشرْ

فقلتُ: وهل من أقارِبْ؟!

فقالت: عقارِبْ!!

وليسَ سِوى عَمِّنا

قدْ أوانا ببيتِ أبينا

ويأمرُ ينهى

ويسكرُ يلهو

ويأخذُ مِنّا

ولم يُعْطِنا غيرَ هذا القهرْ

-12-

أأنسى؟! وقدْ كانَ عمِّي أميناً علينا

لدرجةِ ان جاءَ في ليلةٍ

بعدما قدْ سَكِرْ

يُراوِد أمّيَ عن نفسِها

فاجرٌ وحقيرٌ قَذِرْ

وحين أبتْ

شَقَّ ثوباً عليها

يُغطي بقيّة جسمٍ نضرْ

هجمتُ عليه

أعضُ يديه

وأمَّي تصرُخُ

اختيَ تبكي

وليسَ بكلِّ الزمانِ العَسيرِ

لنا واحدٌ ينْتصِرْ

-13-

أأنسى!!

ومن ذا يقدّمُ معلقةً

من دواءٍ لأمّي

ومن ذا يقدّمُ خُبْزَاً لأُخْتِي

ومن ذا يُخففُ ذُلَّ الفقرْ

أأنسى؟! وماذا سأنسى؟!

وكيف سأنسى؟!

وليس الذي عاشَ هذا الهوانَ

كمنْ سَمِعَ القولَ بالمُختصَرْ

-14-

أكنتَ تظنُّ بأنّي انْحرفتُ !!

واني لبيتِ العفافِ تركْتُ !!

واني بهذا المكانِ رغبتُ !!

وسرتُ بعقلي إلى المنحدَرْ

أكنتَ تظنُّ باني سأقتلُ طهري

وأمشي على شَرفي بافتخارْ!!

وأحمل اغلى جواهر جسمي

على طبقٍ كي أقدّمها باختيارْ!!

لمن جاء يطلبها مُقتدِرْ

وأغلبُ من صِرنَ مثلي

يعشنَ حياةَ انْكسارْ

يقاومنَ ذلَّ القدَرْ

ولكنَّما الحَبْلُ جَرْ

-15-

أما زلتَ تطلبُ مني جواباً؟!

أما زلتَ تطلبُ نسيانَ حالي؟!

وإن كان هذا؛ فأين السبيلُ؟!

ولو كان حَرّاً

فليسَ هنالكَ أكثرُ

مما أُعانيه حَرْ

واين البديلُ؟!

ولو كان قرَّاً

فليس هنالك اكثرُ

مما أُعانيه قَرْ

أتعرف ماءً أقلَّ مَراراً؟!

فلستُ أرى من مِياهي أمَرْ

-16-

أجبني اذا شئتَ – أيّ جوابٍ -

ولو بالتواءْ

أو أنسَ الذي قلتُهُ فسواءْ

بل افعل – اذا شئتَ- بي ما تشاءْ

فلستَ تزيد احتراقي وناري

إذا انتَ تقدحُ بعضَ الشَّررْ

وليسَ يضرُّ الذي قد دفنتُ

إذا زدتَ فوق الترابِ حَجرْ

-17-

وَجَمْتُ, وكنتُ أُحاولُ جهدي
- بإغلاقِ عينيَ – حَبْسَ المطَرْ

وكنتُ أحاولُ جهدي

 -بإحراقِ تبغيَ- 

تنفيس بركانِ قلبٍ

يكادُ بصدريَ أن ينفجِرْ

فماذا أقولُ؟!

وماذا سأفعلُ؟!

قد ضاق بي زمني الُمحتكِرْ

وقفتُ,

وجسمي من قرفٍ يقشعِرْ

وأخرجتُ محفظتي بارتعادٍ

نظرتُ لأكبر قطعةِ نقْدٍ

بِغلٍّ وحقْدٍ

بصقتُ عليها

وقلتُ بنفسي:

أهذي وراء العذابِ ؟!!

وكلِّ الصعابِ ؟!!

وسرِّ الخراب ؟!!

 وبيعِ الكرامةِ والجوعِ والذُّلِ

والبشرِ المُنْقَهِرْ

-18-

نظرتُ إليها

ومنديلها باتَ من دمعِها يعْتصِرْ

وأمْسكتُ بعضَ وريقاتِ نقدٍ

وضعتُ الوريقاتِ فوق السريرِ

كأنّي أحاولُ انْ أعْتذِرْ

وأشعلتُ سيجارةً من نهايةِ سيجارتي

ثمَّ سِرتُ إلى البابِ كالمُنْكَسِرْ

ولكنَّها اسْتوقفتْ خطواتي

رمتْ خنجراً في الصميم غُرسْ

وقالتْ: اذا كانَ عندكَ حِسْ

دعاك بان لا تمسْ

واعطيتني دون فعْلٍ أجِرْ

فغيرك سوف يلوكُ عظامي

وليسَ يبالي بكلِّ كلامي

ويفرحُ بي شَهوةً او ضَجَرْ

-19-

وانْ لمْ تكنْ انتَ أوَّل مرّةْ

فغيرك سوف يكونُ

ويسهلُ امريَ من بعد كرّةْ

ويصبح دمعي أمراً عَبَرْ

فلا تكترثْ؛ سوفَ اعتادُ حالي

فليسَ سواهُ يداوي عُضَالي

وقد يصبح الامرُ تسليةً أو مسرّةْ

إذا اجتزتُ ذعري

وحَدَّ الخطرْ

-20-

وأكْملتُ سيري

خرجتُ من البابِ

مثل اسيرٍ نجا من أسِرْ

وأقبلَ نحوي يهرولُ فرحاً

ليأخذَ باقي الأجرْ

وناري تكادُ بهِ تستعِرْ

رميتُ النقودَ إليه

وقلتُ: حرامٌ عليك !!

أأنت بدونِ شعورٍ ؟!!

فقال: زمانُ الضمير قُبِرْ

وإن شئت عيشاً بهذا الزمانِ

فدُسْ فوق حِسِّكَ ؛ أو فانتحِرْ

-21-

أهذا زمانُ اختصارِ المسافةِ

بين الكواكبِ

والسيرِ فوقَ القمَرْ؟!!

وقد باعدوا بيننا

كُلّما قرّبونا لسطحِ القمرْ!!



أهذا زمان الفضاءِ

وقد فرّقونا ببحرٍ وبَرْ؟!!



أهذا زمانُ العلومِ

وعصرُ العقولِ

وقَرْنُ الغِنى المُزدِهِرْ؟!!

وقد جَهَّلونا بعلمِ القلوبِ

وعلمِ المحبةِ

والعطفِ والحسِّ بالمُفتقِرْ!!



أهذا زمانُ التَّحررِ والانطلاقِ

وكسر القيودِ؟!!

وقد قيّدونا بقيدٍ جديدٍ

أذلّ أَشَرْ!!



أهذا زمانُ الدواءِ

وعصر التطّورِ في الطبِّ والمختبرْ؟!!

وقد زرعوا روحنا

بجراثيمَ لم تُختبرْ!!



أهذا زمانُ صعودِ الجبالِ؟!!

وقد أنزلونا لقاعِ الحُفَرْ!!

-22-

خذوا الطائراتِ وغزو الفضاءِ

خذوا البارجاتِ وسفك الدماءِ

خذوا كلّ زيفِ التقدّم مِنّا

خذوا كل كذبِ الحضارةِ مِنّا

خذوا الوهمَ من عقلنا المُحتكَرْ



أعيدوا لنا الصدِقْ

أعيدوا لنا الحُبَّ والعشقْ

أعيدوا التآلفَ والوِفْقْ

أعيدوا الفِظَرْ

أعيدوا الفِظَرْ

أعيدوا الفِظَرْ.

من مذكرات 1992م*


(1) مع جزيل الشكر للأخ العزيز : محمد المعاني, الذي أحيا هذهِ القصيدة بطباعتهِ لها.







هناك تعليقان (2):

  1. الله اكبر على هذا الزمن والله وجعتني (ساسوكي)

    ردحذف