هُنَا كَهُنَاكَ ... د. ناصر السخني

 

قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}([1])

وَمَنْ لَا يَعتَبِر يَندَثِر

 

 

 

 

-1-

هُنَا النُّوْقُ تَبْكِي ثَمُودْ([2])
وَدَمْعَاتُهَا النَّارُ ذَاتُ الوَقُودْ
فَبَعضُ الشُّعُوبِ تُريدُ إلهاً
وباقِي الشُّعوبِ عَلى العَبَراتِ قُعُودْ([3])

 

-2-

هَنَا المُؤمِنُونَ بقَالٍ وقِيلْ
يُضَحُّونَ كُلَّ صَباحٍ ذَبيحَاً و(إسْما)
وكُلَّ مَساءٍ ذَبِيحاً و(عِيْلْ)
فلا الأَبُّ كَلَّ
ولا الإبْنُ مَلَّ
ولا الكَبْش عِيلْ([4])
ومَنْ قالَ كَلّا
يُزّجُّ بِبِئْرٍ
وإخْوَتَهُ كَالكَواكِبِ تَخْتَصرُ المستَحِيلْ([5])

 

-3-

هُنَا السَّارِقُونَ كَذَا وكَذَا
فَليْسَ بِقُرآنِهِمْ كَيْتَ كَيْتْ
وَلَيْسَ بِإنْجِيلِهِمْ ذَيْتَ ذَيْتْ([6])

وكُلُّ مَنِ ابْتَاعَ مَنَّاً
كَمَنْ حَجَّ لِلبَيْتِ،

بَعدَ التَقاعُدِ،
(أشْعَثَ أَنّى يُجابَ لَهُ) ([7])
والمُجِيرَةُ لَيْتْ
وسَوفَ يُعاقَبُ إنْ كَانَ يَحْلُمُ
أنَّ لَهُ فِي الفَرادِيسِ بَيْتْ

 

-4-

هُنَا النَاطِقُون قُبَيْلَ الوِلادَةِ
والنَّخلُ يَهتَزُّ مِن دُونِ رِيْحْ
وَهَذا يُعَذِّبُ, هَذا يُعَذَّبُ
هذَا يَخُونُ – بِكُلِّ الصَّرَاحَةِ – كَيْ يَستَريحْ
ومَنْ ظَلَّ ضّلَّ
فَهَذا جَمِيلٌ ، وهذا جَميلٌ
وسِرُّ الجَّمالِ اخْتِفَاءُ القَبِيْحْ
وكَيْفَ يُخَلَّدُ
-لَولَا يَهُوذَا- سَلَامُ المَسِيْحْ([8])

 

-5-

هُنَا المُقْسِمونَ بِأَنْ يَثأَرُوا
لِعَويلِ النِّسَاءْ
فَجَمْعٌ يُطالِبُ بالوَأدِ
فِي قَرْيَةٍ ليْسَ فِيها رِجالٌ
وَجَمْعٌ يُعارِضُ وَأدَ البَناتْ
يَقُولُونَ: فَلْتَكبَرِ الأُمّهَاتْ
ومِنْ ثُمَّ نَقْتُلُ
فَالقَتْلُ أَكمَلُ عِنْدَ المَسَاءْ
وكَيْفَ سَتُسْأَلُ مَوْؤُدَةٌ

وَالدِّمَاءُ بِهذا الزَّمَانِ شِتَاءْ
والذُّنوب بِهَذا الزَّمانِ كِسَاءْ

 

-6-

هُنَا العُقَمَاءُ
وَلَا مُنْحِبٌ غَيرُ ذَاكَ الكَبِيْرْ
وقُدُّومُهُ الصَّلْبُ بَيْنَ يَديهِ
سِلاحٌ يُحطِّمُ رَأسَ الإلهِ الصَّغِيْرْ([9])
تَمُرُّ بهِ الريح كل مساءٍ
لتخلقَ من كُلِّ زفرةِ موتٍ صَفيرْ([10])
وتَرْمي بِهِ فوقَ أوراق زيتونةٍ
بَينَ شَرقٍ وغَربٍ
وغَربٍ وغَربٍ
فَكُلّ شَمالٍ وكُلّ جُنوبٍ
هُوَ الغَربُ حَيْثُ الخبيرْ

 

-7-

هُنَا المَاءُ قَد يَسْتَحِيلُ دِمَاءْ
وَجِلْجَامِشٌ([11])مثلَ عُوْجٍ([12])
يُعانِي أسى الكِبرِياءْ
وطُوفانُ نوحٍ
سيُغرِقُ بابلَ قبل آشور([13])
وإنْ غابَ نوحٌ
سَتَغرقُ بابِلُ بعدَ آشور
وكنعان([14])تُبصِرُ قَرناً مضى
قَبْلَها ثُمَّ جاءْ
هِيَ الأَرْضُ
لكِنَّ سِرَّ الخُلُودِ سَمَاءْ

 

-8-

هُنَا الخَمرُ فَوْقَ مَلَفِّ القضايا
فَسَامٌ وَحَامٌ ويافِثُ([15])فِي المَحكَمَةْ
وكَأسٌ إزاءَ الثلاثةِ
تَقْضِي بِلا مَظْلَمَةْ
وسامٌ يُحاوِلُ أنْ يسترَ العورةُ الظالِمةْ([16])
وقَد كانَ يعلمُ أنْ سينالُ هُوَ الأوْسِمَةْ
وحامٌ يُواقِعُ زَوْجَتَهُ
غير مكتَرِثٍ بِرواةِ الحَكايا
ويافِثُ يَسْهَرُ سَبْعَ لَيالٍ
ويُبْحِرُ يَبحَثُ عَنْ عُشبَةٍ
إنّه لا يعي أنَها حَيَّةٌ
تَرْتَقِي سُلَّمَهْ

 

-9-

هُنا لإبْن يقظان([17])
أنّاتُ جوعٍ بِلَيْلٍ بَهيمْ
فَلَيْسَ يرَى – بالتَّحَسُّسِ-
غَير بَقايَا شَعِيْرٍ
تَعَفَّنَ مِنْه الأَدِيْمْ
لِيَأكُلَ مِثْلَ البَهائِمِ
كَيْ لَا يُفَكِرَ بِالمُسْتَقِيْم
وَيَبقَى بِدَائِرةِ الأرغِفَةْ
يَحُفّ الحَيَاةَ
كَمَاءِ الشِّتاءِ على الأرصِفَةْ
كَسَيلِ لُعَابِ الفَقِيْرِ الحَسِيْرِ
إذا مَا رَأى طِفلَهُ يَلْحَسُ الأغْلِفَةْ

فمَنْ يقتلُ الجوعْ
(أركُضْ بِرِجْلِكَ) ([18])حَاوِلْ
فَللمُعجِزاتِ سَرابٌ قَديمْ
ولَيْس هَنالك كِسْرة خبزٍ
ولا مَنْ تَبيعُ ضَفائرَها
كَيْ يَعيشَ السَقيمْ([19])

 

 

-10-

هُنَا بَعدَ عَامٍ
سَتُحْفَرُ بِئْرُ الإناثْ
ويَحتَفِلونَ بِقَطعِ الحِبَالِ
فَكُلُّ الحِبَالِ رِثاثْ([20])
وأمّا الكريمُ
ابنُ ذاكَ الكريمِ
ابن ذاك الكريمِ
سَيَبقَى سَجِيناً لِسَبعٍ عِجَافٍ
وسبعٍ عجافٍ, وَلَيْسَ يُغَاثْ
لأنَّ القَمِيصَ المُلَطَّخَ بالدَّمِ
أَضحَى أثاثْ([21])
فَمَنْ ذَا يُعِيْدُ لِتِلكَ الفَيَافِي
التي جُرِّدَتْ بعضَ بعضِ الحَرَاثْ([22])
ومَن ذَا يُعلّم طِفْلَ الأنَابِيْبِ
كيفَ يُصنَّعُ رأسَ الحِرَاثْ([23])

 

 

-11-

هُنَا كَهُنَاكْ
وَلا فَرقَ إلَّا بِأُسْلُوبِهمْ
فَالهَلاكُ هَلاكْ

 

11/9

 

---

([1]) يوسف/111.

([2]) انظر قصة صالح عليه السلام والناقة في تفسير الآيات: الأعراف/73-77, والشمس/11-15, وغيرها.

([3]) انظر قصة أصحاب الأخدود في تفسير الآيات التالية: البروج/4-8.

([4]) انظر قصة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام والكبش في تفسير الآيات: الصافات/100-110.

([5]) انظر قصة يوسف عليه السلام واخوتهِ في تفسير سورة يوسف.

([6]) ذَيْتَ ذَيْت و كَيْتَ كَيْت: كذا وكذا, أو هذا وذاك, كناية عَنِ الْحَدِيثِ وَالْخَبَرِ.

([7]) انظر تفسير الحديث: "أشعثَ أغبَرَ, يمدُّ يدَيه إلى السماءِ: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُه حرامٌ، ومشربُه حرامٌ، وملبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام. فأَنَّى يُستجابُ لذلك؟" صحيح مسلم (1015).

([8]) يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيّ: أحد تلاميذ المسيح, وهو الذي خانهُ مقابل ثلاثين درهم فضة. انظر في الإنجيل: (يوحنا 6 : 70 – 71) و (متى 26 : 14)و (مرقس 14 : 10). وانظر: قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار, ص504: دار الجيل, بيروت.

([9]) انظر قصة تحطيم الأصنام في قصة ابراهيم عليه السلام في تفسير الآيات: الأنبياء/50-67.

([10]) انظر قصة اليهود والعجل في قصة موسى عليه السلام في تفسير الآية: الأعراف/148, وغيرها.

([11]) انظر قصة جلجامش في الملحمة السومرية, ورحلته للبحث عن الخلود, (ج1/ص21) طه باقر, طبعة بغداد 1986م.

([12]) عُوْج بن عِناق: الذي عاش ثلاثة آلاف وستمائة سنة , وهو حفيد آدم من ابنتهِ عناق، ولا يُعرفُ من أبوه, وقتله موسى عليه السلام. انظر: تذكرة الخواص لابن الجوزي (ص204.( وانظر شرح سورة المائدة للطبري, وشرح سورة القمر للقرطبي. وهي روايات اسرائيلية. انظر الحاوي للفتاوي للسيوطي, الأوج في خبر عوج, دار الفكر للطباعة والنشر,2004م.

([13]) آشور: دولة قامت في العراق وايران وسوريا وتركيا منذ 2000 ق.م, واستولت عليها بابل, ثم استولت آشور على بابل. انظر: دول وحضارات الشرق العربي القديم : د. محمد فرزت ود. عيد مرعي.

([14]) الكنعانيون : شعب سامي, سكن بلاد الشام 4000 قبل الميلاد, وهم من ابناء اسماعيل عليه السلام.

([15]) روى أحمد والترمذي وغيرهما: "سَام أَبُو الْعَرَب، وَيَافث أَبُو الرّوم، وَحَام أَبُو الْحَبَش". وهو لا يصحُّ.

([16]) قصة أن حام رأى عورة أبيه نوح وأن سام ويافث سترا عورة أبيهم الذي كان تحت تأثير الخمر, انظر التوراة, سفر التكوين(20:9-27), والقصة مكذوبة لا يمكن أن تصحّ.

([17]) قصة حي بن يقظان الفلسفية, لابن طفيل. والتي استوحى منها الغرب: طرزان, وروبنسون كروزو, وماوكلي.

([18]) سورة ص/42.

([19]) انظر قصة أيوب عليه السلام وزوجته التي باعت ضفائرها لتحضر له الطعام, في تفسير الآية: الأنبياء/83.

([20]) رِثَاثٌ: جمع الرَّث, وهو الحبل الخسيس البالي.

([21]) انظر قصة قميص يوسف عليه السلام في تفسير سورة يوسف. وقصة قميص عثمان رضي الله عنه, سير أعلام النبلاء للذهبي.

([22]) الحَرَاث: الحَرَاثُ مَجْرى الوَتَر في القوس.

([23]) الحِرَاث: السَّهم.