مَرثِيَّةُ أَخِي مُحَمًّدٍ السُّخنِي... د. ناصر السخني

بَعدْ الرُّؤيَا التّي جَاءَ فِيهَا أَخِي مُحمَّد وَأَبِي - رَحِمَهُما الله - فَرِحَين, وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمْ - يَتَوَسَّطهُمَا.

             -1-

رَحَلَ  العَزِيزُ ،  وَفَارَقَ  الأَحضَانَا
وَرِثَاؤهُ    لَنْ    يُنعِشَ    الجُثْمَانَا

يَا مَنْ تَوَارَى جِسمُهُ تَحتَ الثَّرَى
لَنْ    أَستَطِيعَ     لِفَقْدِهِ    تِبْيَانا
إِنْ  قَصَّرَ  الشِّعْرُ  الوَفِيُّ  بِعَهْدِهِ؛
فَلِأَنَّهُ   مِنْ  فَجْعِ   فَقدِكَ   خَانَا
أَحْتَاجُ  بَحْرَاً   لَا   يَجِفُّ  مِدَادُهُ
أَحْتَاجُ    أَقْلامَاً    تَكُونُ   لِسَاناً
أَحْتَاجُ   أَوْرَاقَاً  بِحَجْمِ  مَشَاعِرِي
كَيْ  أُخْرِجَ  الأَشْجَانَ  والوِجْدَانَا
أحْتَاجُ    أَوْقَاتاً   يُبَارَكُ   لِي  بِهَا
كَيْ   أُفْرِغَ   الأَحْمالَ   وَالأوْزَانَا

-2-
فَاجَأتَنَا  يَا  مَوتُ؛  حِينَ  خَطَفْتَهُ
مَعْ   قَدْرِهِ  ؛  مَا   جَاوَزَ  الرَّيْعَانَا

أَدمَيْتَنَا     لَمَّا    أَخَذْتَ   شَبَابَهُ
لَو   كُنْتَ   قَد   أنْذَرتَنَا  إِيذَانَا!
غَازٌ   حَقِيرٌ   لَيْسَ   يُعْرَفُ  لَونُهُ
أوْ   طَعمُهُ   أَوْ   رِيحُهُ,  أَرْدَانَا؟!
غَازٌ   يُبَاغِتُ   غَفْلَةً   مِنْ  جُبْنِهِ
مُتَخَفِّيَاً  ؛    لِيُشَاركَ    الشَّيْطَانَ
يَا أَوَّلَ  الأُكْسِيدِ  غَدْرُكَ  فَاضِحٌ
لَمَّا   خَنَقْتَ   بِصَمْتِكَ  الرَّيْحَانَا
بِالمَوْتِ  يُقْهَرُ  كُلُّ  حَيٍّ   كَائِنٍ
سُبْحَانَ  قَهَّارَ  الوَرَى ،  سُبْحَانَا

          

             -3-
يَا ثَابِتَ  القَلبِ الشّجَاعِ ، وَضَعفُهُ
أَنَّ    الوَريدَ     يُنافِسُ    الشَّريَانَا
مَا  كَانَ  ذَنبكَ  أنَّ  قَلْبَكَ مُوْجَعٌ
الطِبُّ  قَالَ :  كَقَلْبِ  طِفْلٍ  كَانَا
مَنْ  كَانَ  مِقْدَامَاً   بِقَلبٍ  مُنْهَكٍ
فَزَفيرُهُ     لَنْ     يَدْفَعَ    الدُّخَّانَا
مَنْ  مَاتَ  مَخْنُوَقَاً ؛ فَرَبِّي  حَسْبُهُ
وَأَرَاكَ    حَيَّاً      عِنْدَهُ     جَذْلَانَا
بَل جِئتَ تَطْلبُ وابْتِسامُكَ وَاضِحٌ:
لا    تَحْزَنُوا  ،   إِنِّي  أَعِيشُ  أَمَانَا
وَأَرَاكَ  تُشْفِقُ   إذ   نَظَرْتَ  لِحَالنَا
فِي   هَذِهِ   الدُّنْيَا   نَعيشُ   رِهَانَا

-4-
يَا  مَنْ  جَمَعْتَ   مَهَابَةً  وَسَمَاحَةً
أَسَدٌ  تَشَكَّلَ؛  كَي  نَرَى   إِنْسَانَا
كُنْتَ السَخِيُّ عَلى خُصُومكَ طِيبَةً
يَا  طَيِّبَاً  ،   حَتَّى   وَلوْ   غَضْبَانَا
إِنِّي عَهْدتُكَ  لا تَخَافُ مِنَ الرَّدَى
وَجعْلتَ    مِنْ     أَهْوَالهِ   بُسْتَانَا
غَامَرْتَ، كَمْ غَامَرْتَ حَتَّى اللَّامَدَى
حَتَّى أَخَذْتَ  مِن  المَمَاتِ ضَمَانَا
إِذْ  أَنَّ  قَوْلكَ: لَنْ  أَعِيشَ  لِقَابلٍ
قَد   أَذْهَلَ    الألْبَابَ   وَالأذْهَانَا

بَلْ  شَاهِدُ   الْقَبْرِ   الَّذِي   خَبَّأْتَهُ

- من نصف عامٍ- كانَ ذّا بُرهَانَا

            -5-

يَا أَيُّهَا  المَعْتُوقُ  مِنْ دَنَسِ الدُّنَى
يَا  أَيُّهَا   المُرْتَاحُ    مِمَّا    عَانَى
بَلِّغْ   صَلَاتِي   مَنْ  أتيتَ  بِرَكبِهِ
بَلِّغْ   سَلامِي   جَوْهَراً   وَجُمَانَا
رُؤْيَاكَ يَا خَيْرَ الْوَرَى  بُشرَى  بِهَا
تَمحُوا الأَسَى والضِّيقَ والأَشْجَانَا
بَلِّغْ   أَبِي  شَوْقِي  لِضَمَّةِ صَدرِهِ
بَلِّغْ   كَلَامي   وَالِدِي  الفَرحَانَا
قُلْ يا أَبِي: مَا زِلتَ فِي  وِجدَانِنَا
نَدْعُوا  وَنَرجُوا  الرَّاحِمَ  الرَّحْمَانَا
لَمْ  يَمْضِ  يَومٌ  مُنذ  أَن  فَارَقتَنَا
إلَّا      وَقَدَّمْنَا     بِهِ    قُربَانَا

-6-

يَا مَن  تَحَلَّى بِالخِصَالِ جَمِيلِهَا
وَلتَسْأَلُوا   قِطَّاً   بَكى   فُقْدَانَا
وَلتَسْأَلُوا العَتَّالَ صَاحِبَ وَالِدِي
وَلتَسْأَلُوا   الجَوعَان   وَالعُرْيَانَا
وَلتَسْأَلُوا رَحِمَاً  سَتَشْهَدُ وَصْلَهُ
وَلتُشْهِدُوا  الأَخَواتِ  والإِخْوَانَا
وَلتَسْأَلُوا كَم قدْ أَضَاءَ مَسَاجِدَاً
سَتُنِيرُ   مِنْ   أَعْمَالِهِ   شُكْرَانَا
يَا صَاحِبَ العِطرِ الثَّقِيلِ  مُركَّزَاً
عَطَّرْتُ  مِنْهُ  اللَّحدَ  والأَكفَانَا
يَا صَاحِب اللِّبسِ الأَنِيقِ وَسَامَةً
أَرْهَقْتَ مَنْ حَسَدُوكَ  وَالأَقْرَانَا

             -7-
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ بَعْضَ لَحظَاتِ الهَنَا
وَكَذَاكَ    أَيَّام    الضَّنَى    وَأَسَانَا
مَا  زِلْتُ  أَذْكُرُ  كُلَّ  وَقْتٍ مَوْقِفَاً
حُلْوَاً    وَمُرَّاً  ,    أَصْبَحا   سِيَّانا
مَا  زِلْتُ   أَذْكُرُ    لَيْلَةً   مَجنُونَةً
حِينَ   اخْتَزَلنَا   السَّهْلَ  وَالوُديَانَا
لَمَّا  عَبَرْتُ  مِنَ الحُدودِ  مُجَازِفَاً
وَلَقِيتَنِي      مُتَلَحِّفَاً      أَغْصَانَا
أَعْمَارُنَا  تَمْضِي ، وَلا  يَبْقَى  لَنَا
إِلَّا  مِن  الذِّكرَى   رُؤَىً  تَغْشَانَا
لا  تُوصِنِي ،  إِنِّي  بِدُونِ  وَصِيّةٍ
سَأُرِيكَ   مَا  يُرْضِيكَ   والعِرفَانَا

-8-
أَرْثِيكَ  رغمَ  حُضُورِ  طَيْفِكَ  بَينَنَا
حَتَّى     بِأَيَّامِ       العَزَاءِ     أتَانَا!
كُنْ عِندَ وَعْدِكَ, واقتَحِمْنِي بِالرُّؤى
زُرْنِي   أَخِي  ,   وَاسْتَأذِنِ  الحَنَّانَا
حَتَّى   وَإنْ   عَزَّ   اللِّقَاءُ  سَنَلتَقِي
فِي   جَنَّةٍ    لا   تَعْرِف   الأَحْزَانا
أَرْثِيكَ    حَتَّى    نَلتَقِي   بِرياضِهَا
وُيحِلُّ    رَبِّي    بَعدَهَا    الرِّضْوَانَا
بَابُ    الصَّلاةِ    لِقَاؤُنَا  ،   بَابُ
التَّصدّقِ  بَابُنَا ،  وَسَنَدْخُلُ  الرّيَّانَا
وَلِحُسْنِ   ظَنِّي   واليَقِينِ  بِفَضْلِهِ:
اللهُ    يُدْخِلُ    مَنْ   يَشَاءُ  حَنَانَا

             -9-

لَكَ مِنْ  وَعُودِي  أنْ  أَزورَكَ  دَائِمَاً
وَلَكَ   التَصَدُّقُ  مَا   حَيِيتُ   زَمَانَاً
وَلَكَ الدُّعَاءُ يَفِيضُ مِنْ قَلْبِ الحَشَا
مَعْ  كُلِّ  مَنْ  أَدْعُوا   لَهُمْ   غُفْرَانَا
يَا  رَبِّ  وَسِّع   قَبرَهُ   سِعَةَ  السَّمَا
وَاجَعلهُ     نُورَاً     دَائِمَاً     وَجِنَانَا
الطُفْ بِهِ ، وارأفْ  وَكُنْ  بِهِ  رَاحِمَاً
وَانظُر   إِلَيْهِ   رِضَىً   يَفُوقُ  رَجَانَا
وَبِلا   حِسَابٍ   أَوْ  عَذَابٍ   سَابِقٍ
أَدْخِلهُ    جَنَّاتِ    العُلا    إِحْسَانَا
يَا رَبِّ وَاشْمَلْ  كُلَّ مَنْ بِكَ  آمَنُوا
حَيَّاً     وَمَيْتَاً  ،  إنسَهَمْ    وَالجَانَا

20/12/2015م