21‏/09‏/2013

لِقَاءٌ بَعدَ رُبعِ قَرنٍ... د. ناصر السخني


* أَحيَاناً نَكْذِبُ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الكَذِب، بَلْ مِنْ أَجْلِ مَنْ نُحِبّ. وَنَخْشَى أَنْ نُصَدِّقَ كِذبَنَا لَوْلَا اعتِرَاض القَلْب.






-1-

كَذَبتُ وقُلتُ بأنّي:

تَقبَّلتُ أنّكِ

مُتِّ بِعُمقيَ مِن صُغرِ سِنّي


كَذَبتُ، كَبَتُّ

وَتنّينُ شَوْقِيَ يَنفُثُ نَارَاً

لِيُحرِقَ أيامَ بُعدِكِ عَنِّي


-2-

كَذَبتُ وقُلتُ:

بِأنَّكِ غَادرتِ أَمواجَ ذُهْني

وَفِي خَلْوَتي لا أُفكّرُ فِيكِ

وَلَستُ أُنادِي بِفِكري عَليكِ

مَعَ انَّ تَنَاهِيدَ صَدريَ تُبْرِقُ باسْمِكِ

مَا بينَ نَفْسِي وَبَيْنِي

وينعَكِسُ البرقُ فوقَ المرايَا

لِيُنْبِتَ فِطْرَ حَنِيْنِي إليكِ

ويُثمِرَ شَوقِي أصَائِصَ([1])عِشقِي

عَلى شُرفةٍ

بينَ قُضبَانِ سِجنِي


-3-

كَذَبتُ وغَامرتُ بالذكرياتِ

ويا كم خَشيتُ بأنِّي

أُصَدّقُ كِذْبَ التَّجنّي

مُصَابٌ أنَا بِالحنِينِ

أُلطِّخُ باللومِ جُدرَانَ لَيْلِي

وَأَحلُمُ في يَقظتِي وأُحلِّقُ

فوقَ الخيَالِ وفوقَ التَّمنِّي


وَأَحسُدُ نَفسِي لأنَّكِ يَوماً

ذَرَفْتِ لُعَاباً على شَفَتَيَّ

فَصِرتُ أُغَنِّي

وَأَحسُدُ نَفسِي لأنَّكِ عِطْرٌ

تَصَبّبَ فوقَ فؤاديَ نُوراً

لِيَخرُجَ اشعاعَ شَمسِ الأحَاسِيْسِ

مِن بَينِ أَضْلعِ غيْمَاتِ فَنّي


-4-

كَذَبتُ,

وحينَ رأيتُكِ رُؤْيَا بِنَومِي

وكانتْ جُيُوشُ الملائِكِ([2])تَركُضُ

فوقَ زُجَاجِ عُيونِكِ

تُضِحِكُ بالانعِكاسَاتِ سِنّي

عَرفتُ بأنَّ رسائلَ رُوحِي

التي في زجاجةِ بَحرِكِ ألقيتُها وَصَلَتْكِ

فهَلْ وَصَلَتْكِ عنّاقِيدُ طَيْفِي؟!

وهَلْ شَبَحِي زَارَ رُوحَكِ عَنّي؟!

وهَلْ أَخبَرُوكِ

بَأنَّ الأنينَ يُحَاصِرُنِي حِينَ أُغمِضُ جَفنِي؟!

وأنّ فِراشِيَ مَلَّ مَنامِيَ مِن كُثرِ أَنِّي؟!


كَذَبتُ نَعَمْ،

كانَ ذَلكَ بَعدَ وَفَاتِكِ، أوّلَ شَهْرٍ

وَقَد تَعلَمِينَ:

أنَا لمْ أَزُرْ قَبرَ جِسْمِكِ يَومَاً

وَأنتِ الوَفيّةُ؛ لمْ تَتركينيَ حَتّى بحُلْمِي

فكيفَ رَجَعتِ؟!

ومِن أينَ جئتِ؟!

وَقَد كانَ ظنّي:

إذا لا تُجمِّعُنَا الأرضُ فِعلاً

فإنَّكِ تَنتظرينَ هُناكَ بجنّةِ خُلْدٍ

إذا مَنَّ رَبي عَليَّ وكُنتُ بِجنّةِ عَدْنِ


-5-

لماذا أتيتِ؟!

تُريدينني أنْ أموتَ سَرِيعَاً؟!

تَقُولِينَ: هَيّا، تأخَّرتَ عنّي!!

فَيَا لَيتَ أَمْلِكُ مَا تَطلبِينَ

لَكُنتُ أَطيرُ بُحبّي إليكِ

وَأفقِدُ وَزني

لأني إذا مَا بَقيتُ بِجسْمِي

وطِرتُ بِسُرعةِ لهَفةِ سَهْمي

فَقَد أَتَفَجّرُ مِن فَيضِ وَهْمِي

ومن دونِ قصدٍ بِفِطرِيَّتِي

سَوفَ أُحرِقُ كَوْنِي


لماذا أتيت؟!

إذا كنتُ حينَ سأفتحُ عَيْنَيّ لَستُ أَرَاكِ

وَيبدأُ شَكّي بِأنَّكِ جِنّي

وافترسُ الآهَ، أَعصرُهَا بِيَديَّ

لعلّيَ أحصُلُ مِنهَا عَلى قَطْرةٍ

كَيْ أُقَطّرَ عَينيَّ

عَلّي بِذلكَ أُرجِعُ ظِلَّكِ قُدَّامَ([3])عَينِي


لماذا أتيتِ؟!

أَمِنْ أجلِ أنْ تُبصِرِيني أُجاهِدُ

حِينَ أُلَمْلِمُ مَا قَد تَبَخّرَ

مِن عَذْبِ صُوتكِ في سَمْعِ أُذْنِي؟!


-6-


أنا مُنذُ أنْ صِرتُ أرضَى

بما جاءَ فيه قَضَائِي

تَحَالَفتُ مَع قَدَرِي بِرِضَائِي

وأَدخَلتُ قَلبي بِغَيْبُوبَةٍ دَونَ وَعيِهِ قَسْراً

لأحفَظَ مَائِي

لِيَصحُو فُؤادِي صَباحَاً جَديدَاً

ولا يَتَذكّرُ شَيئاً قَدِيمَاً

كَمَنْ وُلِدَ اليومَ مِنْ دُونِ ذِهْنِ


فَجِئْتِ إليَّ:

نَفَضتِ غُبَاراً تَكدّسَ فوقيَ مِن رُبعِ قَرنِ

فَتَحتِ جُروحَاً أَقامَتْ بِقَبْوُي

بأَظلَمِ رُكْنِ

لِيُثبِتَ ذَلِكَ أَنِّي أُحِبُّكِ رَغمَ السِّنينْ

وَرَغمَ حَياتي، ورغمَ مَمَاتِكِ

مَا زِلتِ في خَافِقي تَسْكُنينْ

وما زلتُ حينَ أَراكِ، أُسَرُّ

وحين تغيبينَ يَبدَأُ حُزنِي


كَذبتُ كَذَبتُ كثيراً وقُلتُ بأنّي.......

11/9/2013م




([1]) أَصائص: جمع أَصِيص: وهي الأَواَنِي الفخاريّة التي تُستنبتُ فيها الزُّهورِ وَالنَّباتاتِ.
([2]) الملائك: الملائكة: جمع مَلَك.
([3]) قُدَّامَ: ظرف مكانٍ بمعنى أمام.


هناك 12 تعليقًا:

  1. بعثرتني تلك الكلمات....
    أثارت بقلبي الشجن...
    تناثرت روحي عبقا بسحر وصفك لمحبوبة
    تتمنى لقاءك, وعساك تلقاها بجنات عدن
    حيث لا فراق ولا ألم...

    ريما المومني

    ردحذف
    الردود
    1. ما أثَّرت فيكِ الكلمات وأثارت
      إلا لاحساسك المرهف الذي لا مس روح القصيدة
      فشكرا لكِ

      حذف
  2. والله إن في النفس هما ﻻ يعلمه إﻻ الله وإن في القلب جرحا لا يداويه طبيب وإن في الخواطر أمنيات تعانق عنان السماوات...فمن ييفهمنا ويقودنا إلى بر اﻷمان من بعد الخوف واليأس من الحياه؟؟؟ربي أنت ملاذي وقراري ورجائي....وكلتك أمري كله...دكتور ناصر روعة الأدب والعلم والدين...

    ردحذف
    الردود
    1. غير معرف
      فرَّج الله همَّك؛ فهو نعمَ الحسيب
      وشفى الله جرحك؛ فهو نعمَ الطبيب
      وجبرَ الله خاطرك بتحقيق المراد الأريب
      وزادك الله فرجاً برؤيا الحبيب
      وشكراً لإطرائك العجيب

      ولكن ما ضرَّك لو حفرت اسمك بآخر تعليقك
      لأعلمَ أنا لمن أدعو, ولمن أرجو الله المجيب؟!

      حذف
  3. Look around yourself and ask your heart.what have you done in my life???you are the reason for my hope when iread your words l found the real meaning of truth and faith...i m sure you will not know me !!!but you should know that you are great man in my sad eys....lrespect you shaikh naser more than you think

    ردحذف
    الردود
    1. لقد نظرتُ حولي, وسألتُ قلبي,
      وما دمتُ لا أعرفكِ؛ فكيف أعرف ما صنعتهُ لكِ في حياتك؟

      وكم هي فرحتي أن أكون سبباً في الخير والأمل والايمان.
      واشكرك لأنني في رأيك رجلٌ عظيمٌ, واشكرك لاحترامك الفائق.
      وأتمنى الكتابة باللغة العربية لأنني أحبها, ومتعصّب لها
      وما دمتك قرأتم بالعربية, وتلذذتم بالقصيدة بالعربية
      فلماذا لا تكتبون بالعربية لغة القرآن؟
      إلا إن كانت أجهزتكم لا تكتب العربية.
      مع جزيل شكري وتحياتي


      I looked around, and I asked my heart, but if I will not know you, how can I know what I made for you in your life?
      How much is my joy and happiness, to be the cause of goodness and hope and faith.
      And thank you because think me a great man, and thank you for your great respect.
      I wish write me in Arabic, because I love, and fanatic to my language.
      Thank you, regards.

      حذف
  4. ونعم بالله الذي جعلنا خير أمة أخرجت للناس وجعل اللغة العربيه لغتنا العظيمه لم أكتب بالإنجليزيه تجاهلا للعربيه لا والله وإنما من باب التغيير فقط...فأنا أعشق لغة القرآن الكريم ...سدد الله خطاك بالحق شيخنا الجليل

    ردحذف
    الردود
    1. أجلّلك الله ورفع قدرك بالحق
      حروف العربية اكثر جمالا وابداعا واشراقا
      واشكرك لوعيك وحسن تفهمك

      حذف
  5. تناثرت مكنونات قلب تحجر ...كحمم بركانية هائجه ..في كل مكان حولي...ذكريات بائسه أحرقت براعم أمنياتي من قبل أن تولد....تناثرت كفتات جيف أثقلتني بؤسا ويأسا من زمان تركني ورائه ولم يأبه لخواطري....تناثرت أحلام كنت قد نسجتها لسنوات في سراب أحلامي وفي يقظة أفكاري....تناثرت مئات من لحظات صبري مثل ريح عاتيه تأكل الأخضر واليابس....واليوم وبعد صبر قصم ظهرييمنعون عني ماتبقى لي من ذرات من الأمل كي أصحو من عذاب لبث في صدري مئة سنة بحجة أن الحب حرام والدين من حكمهم الغاشم براء .........دكتور ناصر..... أنتظر منك المزيد وأنت الصادق في زمن كثر فيه الكاذبون.....المؤمن بالله....

    ردحذف
    الردود
    1. ليس عندي كلمات توازي جبال كلماتكِ فيما قلتِ:"دكتور ناصر..... أنتظر منك المزيد وأنت الصادق في زمن كثر فيه الكاذبون"

      حذف
  6. سبحان الله وبحمده ،سبحان الله العظيم،ﻻ حول وﻻ قوة إﻻ بالله العلي العظيم،ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يشأ لم يكن...اللهم لك الحمد على كل حال...

    ردحذف
    الردود
    1. الحمد والشكر لفاطرني وبارئني ومقيتني وخالقني ومميتني ومحيني الله
      عدد كماله وكما يليق بجلاله

      حذف